شهدت ليبيا انخفاضاً سريعاً وحاداً في أسعار غالبية السلع الاستهلاكية منذ بداية الأسبوع الحالي، ما أثار علامات استفهام كبيرة عن الأسباب التي أدت إلى تهاوي الأسعار في السوق الليبية بهذا الشكل المفاجئ، على رغم أن كل المؤشرات الاقتصادية والتطورات السياسية والأمنية كانت تهدّد بموجة من الغلاء الفاحش، بسبب الظروف التي تعيشها البلاد والانقسام الحكومي الذي تواجهه سلسلة من المفاجآت
ويضيف “الحرب التي نشبت بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى حدوث أزمات عالمية، وارتفاع مضطرد في الأسعار، بخاصة في السلع الغذائية، وأيضاً ارتفعت أسعار الشحن والمحروقات، وكلها تسببت في زيادة مشكلة التضخم عالمياً، بالتالي كان لها دور كبير في ارتفاع الأسعار لدينا نحن داخلياً”.
وأشار الغويل إلى أن “ما يحدث الآن رد فعل للمتغيرات الدولية، وتحديداً بعد تغلب الصين على وباء كورونا وبداية انتعاش اقتصادها، وعودة كل المدن والمصانع والشركات للعمل والإنتاج، وارتفاع مخزون السلع لديها، مما جعلها تخفض أسعار الشحن للمساهمة في زيادة صادراتها للعالم”.
وينوه إلى أن “أسعار الغذاء في العالم في تراجع مستمر، حيث سجل مؤشر أسعار الغذاء الخاص بالأمم المتحدة انخفاضاً للشهر الخامس على التوالي، في إشارة إلى أن مستوى الأسعار وحدة التضخم في اتجاهها إلى الانخفاض”.موجة التخفيضات الحادة في الأسعار بالسوق الليبية بدأت بداية الأسبوع الحالي، عندما فوجئ سكان طرابلس بعروض خاصة لبيع السجاد والمفروشات بأسعار تقل بنسبة 90 في المئة عن سعرها في الأسبوع الماضي، وتبعتها عروض أخرى في بنغازي والعاصمة شملت تخفيضاً في أسعار بعض الأجهزة الكهربائية بنصف الثمن السابق لها.
وتزامنت هذه العروض مع ظهور تجار للسيارات في بنغازي يعرضون سيارات مستوردة بنصف ثمنها المعروف في السوق، وعلى رغم أن هذه المفاجآت السارة للشارع الليبي جاءت في وقتها، بالنظر إلى تفاقم الأزمة المعيشية في البلاد بشكل ملحوظ منذ بداية الربع الثاني للعام الحالي، إلا أنها طرحت الكثير من الأسئلة بشأن تصفية بعض التجار لسلعهم بنصف الثمن وأقل، من دون مبررات واضحة ومقنعة. وذهبت معظم التفسيرات لهذه الموجة الغامضة من التخفيضات إلى ثلاثة أسباب، الأول التخفيض الذي شهدته أسعار شحن البضائع من الصين المصدر الأول لتوريدها إلى ليبيا الذي تجاوز نصف التكلفة السابقة تقريباً، من 19 ألف دولار إلى 11 ألفاً للحاوية الواحدة، والثاني وجود إشاعات عن تعديل قريب لسعر صرف الدينار من المصرف المركزي، أما الثالث فرأى أصحابه أن ما يجري لا يمكن تفسيره بأسباب منطقية، وما هو إلا عملية غسيل أموال ضخمة تتم بطريقة ظاهرها غير بين وباطنها يملؤه الفساد.
أسباب كثيرة
يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة علي الغويل، أن “أسباب التخفيضات الحالية في بعض السلع والمنافسة بين التجار والسيناريو المتوقع حدوثه الفترة المقبلة لها أسباب عدة، ففي بداية السنة لاحظ الجميع زيادة الأسعار، خصوصاً الفترة التي سبقت شهر رمضان، والكل كان يرمي اللوم على التجار وجشعهم، لأن المواطن يعرف أن سعر الدولار لم يتغير وأسعار السلع في تزايد، إلا أن سبب ارتفاع الأسعار في الأشهر السابقة وبداية انخفاضها الآن هي الأسعار العالمية”.
خفض تكلفة الشحن
وربط أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي علي الفايدي، بين تراجع الأسعار في ليبيا وانخفاض تكلفة شحنها من الخارج، قائلاً إن “انخفاض أسعار شحن البضائع من الموانئ البحرية الصينية، بسبب نقص الطلب العالمي على الشحن، وزيادة عدد السفن التجارية الجديدة والعملاقة العاملة في مجال النقل البحري، من الطبيعي أن تنخفض معه الأسعار في ليبيا بهذا الشكل”.
وأوضح أن “تداعيات انخفاض أسعار شحن البضائع ستكون إيجابية بالنسبة إلى التجار والمواطنين بصفة عامة، إذ يتوقع أن تنخفض أسعار السلع المستوردة من الصين بنسبة تتراوح من 20 إلى 25 في المئة، بعد أن ارتفعت خلال السنة الماضية بنسبة 400 في المئة، وهي زيادة كبيرة وغير مسبوقة في العالم”.
وأكد الفايدي أن “العامل الأكبر الذي سيساعد في الحفاظ على توازن في الأسعار هو استقرار سعر الصرف وكثرة الطلب والعرض في السوق الليبية”.
براءة الدولار
في سياق متصل، يعتقد المحلل الاقتصادي علي حبارات، أن “التخفيضات التي نشهدها حالياً على بعض أسعار السلع المعمرة من سجاد ومواد منزلية وغيرها وبنسب متفاوتة، لا ترتبط بالأخبار المتداولة حول احتمال خفض سعر الدولار، كما أنه ليس للحكومة وتحديداً وزارة الاقتصاد علاقة بها، لا من قريب أو بعيد”.
ويوضح أن “التخفيضات التي أعلنها بعض التجار أو أصحاب المحال كانت لاعتبارات أو لظروف تخصهم، قد تكون شخصية وقد تكون اقتصادية ترتبط مباشرة بظروف الاقتصاد العالمي الذي يشهد تباطؤاً قد ينزلق على أثره في مستنقع الركود، خصوصاً الاقتصاد الصيني والأوروبي، الذي تعتبر ليبيا نوعاً ما سوقاً استهلاكية لمنتجاتهما”.
ويتابع حبارات “حالة التباطؤ أو الركود في تلك الدول بالتأكيد تلزم الشركات المصنعة والمنتجة بتخفيض أسعار منتجاتها بهدف تسريح مخزوناتها الراكدة، لأن استمرار تراجع مبيعاتها سيؤدي إلى عدم قدرتها حتى على تحمل تكاليفها الثابتة المتمثلة في أجور العمالة والإيجارات، ما يعني تكبدها لخسائر فادحة تضطر معها لتسريح الآلاف من العمال وإقفال عدد من فروعها”.
ويقول إنه “يجب أيضاً على تلك الشركات الاستفادة من تراجع أسعار النفط، التي يترتب عليها انخفاض أسعار الوقود وتكلفة التشغيل وتكلفة الشحن، من دون إغفالنا للدعم الحكومي لتلك الشركات الذي يتم عادةً في إطار خطط الإنقاذ”.
فقاعة فارغة
من جانبه، يوضح المحلل الاقتصادي محمد أبو سنينة، أن “ما يحدث للسوق الليبية حالياً فقاعة ستنتهي بسرعة، في خضم السوق غير المستقرة في اقتصاد متأثر بركود تضخمي وانخفاض الطلب، والتي قد يلحقها انهيار في أسعار المزيد من السلع”.
ويضيف “لا أرى تفسيراً لذلك في انخفاض تكلفة الشحن من الصين، أو أن السوق تصحح نفسها، ولا أرى أن نظرية المؤامرة تنطبق في هذه الحالة، وما يحدث، في تقديري، لا يعدو كونه عملية تخلص من مخزون كبير صار راكداً من هذه السلع، التي تم استيرادها والاحتفاظ بها في ظل سعر الصرف المرتفع للدولار والذي تجاوز 4.48 دينار، تفادياً لخسائر محتملة يتوقعها التجار، تتجاوز التكاليف الثابتة والمتغيرة التي يواجهها أصحاب هذه النشاطات نتيجة توقعات يراها التجار تتعلق بسعر صرف الدينار الليبي”.
وخلص إلى أنه “في ظل الإشاعات غير المؤكدة المتداولة هذه الأيام حول إمكانية قيام المصرف المركزي بدعم سعر صرف الدينار الليبي، والذي يعززه التقارب والتفاهم الكبيرين بين الحكومة والمصرف المركزي من جهة، ومجلس النواب والمصرف المركزي من جهة أخرى، وهو الأمر الذي إذا حدث سيؤدي إلى خروج الكثير من التجار من السوق، وعلى رغم استبعاد هذا الأمر من قبل المحللين لأسباب اقتصادية صرفة، إلا أن للتجار حسابات أخرى”.
تغريدات
انخفضت أسعار بعض السلع في ليبيا إلى أقل من نصف ثمنها من دون سبب واضح يتفق عليه الجميع.
ربط بعض المحللين بين انخفاض أسعار السلع في ليبيا وانخفاض تكلفة الشحن الخارجي، وإشاعات تعديل سعر الصرف من المصرف المركزي في الفترة المقبلة.
siege auto
إرسال تعليق