في مخالفة للقانون واستغلالا لمنصبه السياسي، تمكن النائب المجمّد لطفي علي من إخضاع شركة فسفاط قفصة، للظفر بصفقة مشبوهة، في شحن ونقل الفسفاط وخاصة استخراجه من منجم المكناسي، مستعينا بمجموعة من موظفي المؤسسة العمومية الذين هيئوا كل الظروف الفنية والإدارية لهذا النائب.
هذه الصفقة المقدّرة ب13 مليون دينار تبدو في الظاهر مجرد مناولة عمومية للتزود بمواد وخدمات، لكنها تكشف توزيعا محكما ومريبا للأدوار بين عناصر مختلفة صلب شركة فسفاط قفصة للاستيلاء على أموال عمومية عبر تضارب للمصالح والمحسوبية والتلاعب بكراسات الشروط، خاصة وأن لطفي وشركائه في الصفقة المشبوهة ينتمون جلهم الى حزب تحيا تونس.
على المقاس..
الحكاية تعود إلى جوان 2013، عندما أصدرت شركة فسفاط قفصة طلب عروض لاستخراج وشحن ونقل 600 ألف طن من الفسفاط من منجم المكناسي. وبعد سحب كراس الشروط من قبل 18 شركة مختصة في النقل، تقدمت 6 شركات فقط بمقترحاتها المالية والفنية للفوز بهذه الصفقة.
ومنذ الخطوات الأولى، حفت الصفقة إخلالات على مستوى كراس الشروط الذي حصل “الشارع المغاربي” على نسخة منه. فقد تم حصر الصفقة في “التزود بمواد عادية وخدمات”، مع التنصيص على أن “طلب العروض يهم شركات النقل التي تمتلك الترخيص اللازم في النشاط”، ما يعني أنها لن تخرج عن نقل الفسفاط، بينما ينص العقد على استخراج الفسفاط بعد القيام بمسح توبوغرافي والحفر وتفجير سطح الأرض، وفق مواصفات علمية معقدة، ليست من اختصاص شركات النقل، وهو النشاط الرئيسي لشركة فسفاط قفصة التي يفترض ألا يتم تكليف طرف أخر بالقيام به.
وفي أكتوبر 2013، اجتمعت اللجنة القارة لفتح العروض الخاصة بالصفقة، وبعد التثبت من العروض الوافدة على شركة فسفاط قفصة، تبيّن تقدم 6 عارضين. أدني العروض كان من نصيب شركة قوادرية للنقل بمقترح مالي قدر ب11 مليون دينار ثم في المرتبة الثانية مجمعا يضم شركتين هما شركة سوترام التي على ملك كلا من لطفي علي وشقيقه مولدي علي وشركة لطفي علي للأشغال العامة، وذلك بمقترح مالي بقيمة 12،5 مليون دينار، وأتت شركة نقل البضائع جنوب ـ شمال في المرتبة الثالثة بمقترح مالي يقدّر ب 13،5 مليون دينار. ثم سرعان ما تغيّرت المعطيات ليصبح مجمع لطفي علي وشقيقه هو الأقل سعرا.
في هذا السياق دوّنت لجنة الفرز أن “العرض المالي لمجمع لطفي علي للأشغال العامة وشركة سوترام تم تصحيحه، حيث أصبح المبلغ الجملي للصفقة قدره 10،7 مليون دينار عوضا عن 12،5 مليون دينار، نظرا لأن المبلغ الأخير المدوّن على عرضه يشمل أيضا خدمات إعادة الشحن ونقل وصيانة المسلك بما قدره 1،8 مليون دينار خلافا لما تم ذكره ضمن كراس الشروط بأن هذه الخدمات الأخيرة لا تندرج ضمن المبلغ الجملي للصفقة ويتم الاكتفاء بالثمن الفردي بالطن ضمن العرض المالي والذي يستند إليه في صورة اللجوء لمثل هذه الخدمات عند الحاجة فقط”.
ومن بين الملاحظات الأخرى التي دوّنتها لجنة الفرز، عدم صلوحية الوضعية الجبائية لشركتي سوترام ولطفي علي للأشغال العامة وعدم مصادقة مكتب التشغيل بسيدي بوزيد على قائمة العملة المفترض توفيرهم لإنجاز الصفقة بالنسبة لمجمع لطفي علي وشقيقه.
وتمت مطالبة مجمع لطفي علي وشقيقه بتوفير كامل الوثائق الإدارية المطلوبة وتمديد صلوحية الوضعية الجبائية لهما. كما تمت مطالبة بقية الشركات المشاركة بإتمام باقي الوثائق المنقوصة وفي ظرف أسبوع، وذلك في مخالفة للفصل الثالث لكراس الشروط الإدارية الذي ينص صراحة على “أن تكون جميع الوثائق المقدمة صالحة عند الأجل الأقصى المحدد لقبول العروض”.
وبهذه الملاحظة، أقرّت لجنة الفرز بأن مجمع لطفي علي وشقيقه هو الأقل ثمنا، مقترحة إبرام الصفقة معه بمبلغ مالي قدر بـ10 ملايين دينار، مع تحديد سعر استخراج الفسفاط ب15 د للطن الواحد وسعر الشحن والنقل ب3 دنانير، وتخصيص نسبة لا تتجاوز 25 بالمائة من إجمالي الصفقة للنقل فقط، ما يؤكد أن استخراج الفسفاط هو النشاط الأساسي لهذه الصفقة التي تدوم سنة فقط، وفق نسخة من تقرير الفرز التي حصلنا عليها.
كما تعمدت الشركة العمومية مراجعة قيمة الصفقة ليصبح المبلغ الجملي في حدود 13،7 مليون دينار عوضا عن 10 مليون دينار، بسبب مراجعة أسعار الشحن والنقل وأسعار خدمات الاستخراج قبل البدْ بتنفيذ الصفقة، في تعارض واضح مع ما نص عليه العقد الذي شدد على أن اسعار الشحن والنقل ثابتة وغير قابلة للمراجعة، فيم يمكن مراجعة اسعار خدمات الاستخراج بعد انتهاء الخدمات التعاقدية.
وبعد عرض مسألة تحيين أثمان الصفقة على رأي اللجنة الداخلية لمراقبة صفقات هذه المنشّأة العمومية، يوم 26 ديسمبر 2017، لاقت معارضة كل من ممثل رئاسة الحكومة وتحفظ مراقب الدولة.
خديعة الانتداب
لئن نص كراس الشروط على ضرورة التزام الشركة الفائزة بالصفقة بتوفير117 عامل لتامين عمليات الاستخراج والشحن والنقل للفسفاط، فقد اكتفى مجمع لطفي علي وشقيقه بالتعاقد مع 17 عامل، بينما انتدبت السلطات الجهوية ممثلة في ولاية سيدي بوزيد ومكتب التشغيل 100 عامل واضعة إياهم على ذمة المجمع الذي تكفل طيلة اشتغاله بمنج الجباس بالمكناسي بخلاصهم، ثم سرعان ما احالهم على البطالة بعد انتهاء العقد. هذا الاجراء تسبب في احتقان في صفوف العمال.
يقول احد العمال الذين تم تشغيلهم بمنجم المكناسي: “لقد تعرضنا لخديعة كبرى. فقد وظفتنا السلطة بعد سنوات من المفاوضات والاجتماعات بولاية سيدي بوزيد، فوجدنا أنفسنا نشتغل لدى لطفي علي، ثم تخلص منا حالما انتهت الصفقة. وحتى الوعود التي تلقيناها من وزارة الصناعة والطاقة بالحاقنا بشركة فسفاط قفصة لم يتم تجسيمها منذ أكثر من سنة.”
صفقة مسيسة بامتياز
خلال الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي أو الرئاسي لسنة 2019، التف حول المقاول لطفي علي المرشح لعضوية مجلس نواب الشعب عن حركة تحيا تونس عدد من موظفي شرطة فسفاط قفصة.
فقد أشرف المدير المركزي للتزود بشركة فسفاط قفصة الكامل خالدي على الحملة الانتخابية للنائب المجمد وعلى الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، عند ترشحه للانتخابات الرئاسية. بدوره كان مدير الشؤون القانونية المكلف بالرقابة القانونية على الصفقات بشركة فسفاط قفصة هشام السنيبري ثالث مرشح في قائمة تحيا تونس التي ترأسها لطفي علي.
وبالاتصال بالكامل الخالدي لاستفساره عن مدى إعلامه شركة فسفاط قفصة بانتمائه الى نفس الحزب الذي ترشح باسمه المقاول لطفي علي في الانتخابات التشريعية، لتجنب وقوعه في ضعية تضارب المصالح، قال ان كل مسؤولي الشركة على علم بانتمائه السياسي، دون أن يؤكد سعيه نحو إعلام إدارته درء لأي شبهة.
أما رئيس مشروع منجم الجباس بالمكناسي ناظم بوترعة، الذي يفترض تكفله بمراقبة العمل اليومي لمجمع لطفي علي بالمنجم، فقد كان منسقا جهويا لحركة تحيا تونس بقفصة.
وبسؤاله عن اتخاذه أية تدابير إدارية لتفادي وقوعه في وضعية تضارب مصالح، وذلك عبر إعلام إدارته بنشاطه الحزب في حركة تحيا تونس التي ينتمي اليها المقاول لطفي علي الحاصل على صفقة استخراج وشحن ونقل الفسفاط بمنجم المكناسي، قال إنه لم يكن مجبرا لإعلام إدارته بنشاطه الحزبي، مشيرا إلى عمله في كنف القانون طيلة فترة ترؤسه لمشروع منجم المكناسي.
كما انتمى عدد من مديري شركة فسفاط قفصة للمكتب الوطني لحركة تحيا تونس على غرار المدير المالي لـ CPG عبد الرزاق صويلح أو مدير شركة نقل المواد المنجمية عبد الباسط حليم اللذين انضما إلى المكتب الوطني لتحيا تونس في أواخر 2019.
هذا التداخل بين الحزبي والإداري في شركة فسفاط قفصة من شأنه المساهمة في وقوع هؤلاء الموظفين في وضعيات تضارب مصالح ومحسوبية مقيتة، بما إن المقاول والنائب عن حركة تحيا تونس لطفي علي هو ثاني مستفيد في مجال نقل الفسفاط بحصوله على أكثر من 36 مليون دينار كعائدات للنقل بالشاحنات، بين 2011 و2020.
ورغم محاولاتنا مرارا الاتصال بلطفي علي، لمواجهته بمختلف المعطيات التي تؤكد وجود محسوبية وتضارب مصالح في العقد المبرم بينه وبين شركة فسفاط قفصة لم يتسن لنا الحصول عليه.
لقد استغل النائب عن حركة تحيا تونس والمقاول لطفي علي انتماءه الحزبي وشبكة علاقاته السياسية بعدد من موظفي شركة فسفاط قفصة التي باتت أشبه ما تكون بمكتب محلي للحزب، لنيل صفقة بأكثر من 13 مليون دينار، في سطو واضح على النشاط الرئيسي لهذه المؤسسة العمومية، ألا وهو استخراج الفسفاط رغم ما حف بها من تضارب للمصالح ومحسوبية.
من هو لطفي علي؟
لطفي علي هو رجل أعمال ومقاول ونائب بمجلس نواب الشعب المجمد بقرار من رئيس الجمهورية الصادر في 25 جويلية المنقضي.
حصل لطفي علي العديد من عقود نقل الفسفاط على متن الشاحنات من شركة فسفط قفصة عبر شركته التي تحمل اسم “شركة لطفي علي للأشغال العامة” أو عبر شركة “سوتراب” التي يمتلك أسهما فيها. غنم من هذه العقود أكثر من 36 مليون دينار بين 2011 و2020.
كان لطفي علي محور حديث رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه في موفى جويلية المنقضي برئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول، والذي قال أن هناك من النواب من يتحصن بالحصانة لتعطيل نقل الفسفاط بالقطار، وذلك تكسير السكة الحديدية.
فاز في مناسبتين بمقعد في مجلس نواب الشعب عن مدينة قفصة في دورتي 2014 و2019 عن حزب المبادرة ثم عن حركة تحيا تونس.
يعد من أكثر النواب تغيبا عن أشغال مجلس نواب الشعب، وذلك بنسبة حضور في اللجان القارة واللجان الخاصة والمشاركة في التصويت لم تتجاوز 0 بالمائة، بينما ناهزت نسبة حضوره في الجلسات العامة 14،2 بالمائة في الدورة النيابية الحالية، وفق إحصائيات صادرة عن منظمة بوصلة.
المصدر: نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 3 اوت 2021
إرسال تعليق