اتضحت الصورة أخيرا…اذ ان السلطات التونسية هي اليوم بين اختيارين إما التخفيض في الرواتب او التخلي عن منظومة الدعم وهما خياران أحلاهما مر ولكن الأمور حسمت للخيار الثاني المتمثل في رفع الدعم مع كل ما تطرح هذه الوضعية من مخاطر في سياق غياب منهجية واضحة لتوجيهه لمستحقيه الى جانب ما تعيش كافة الشرائح الاجتماعية من ضيم وفقر.
وفي هذا الإطار، كشف محمد بوسعيد، وزير التجارة وتنمية الصادرات، يوم 4 ديسمبر الفارط عن الانطلاق في تنفيذ خطة حكومية لإصلاح منظومة الدعم، وتوجيهه نحو مستحقيه الفعليين، بعد الكشف عن انتفاع رؤوس أموال وشركات تجارية بالمواد الاستهلاكية المدعمة؛ خصوصاً السكر والدقيق والزيت مبرزا ان الوزارة شرعت في تنفيذ عدد من الإجراءات، لتوجيه الدعم إلى مستحقيه، ومنها ما يهمّ ترشيد دعم المواد الغذائية، على غرار الخبز.
وأقر بوسعيد بأن ملف منظومة الدعم كله يتجاوز صلاحيات وزارة التجارة، واعتبره عملاً مشتركاً تتدخل فيه عدة وزارات، مثل وزارة المالية، على حد تعبيره. كما كشف اتخاذ الوزارة قراراً برقمنة مسالك المواد المدعمة قال إنها ستشمل في البداية السكر والدقيق والزيت المدعم؛ مؤكداً على استشارة المهنيين والأخذ بآرائهم واقتراحاتهم لضمان جدوى القرار الذي اتخذته السلطات لمتابعة مسار المواد المدعمة، وضمان وصولها إلى مستحقيها.
كما سيتم اتخاذ عدد من الإجراءات الإضافية، بالتنسيق مع وزارات المالية وتكنولوجيات الاتصال والشؤون الاجتماعية، لإيجاد فرضيات قابلة للتطوير لإصلاح منظومة الدعم وضمان تجاوز الهنّات الموجودة دون أن تخلّف انعكاسات اجتماعية سلبية.
وبذلك تنهي تونس بدءاً من النصف الثاني من العام الحالي حسب مصادر مطلعة سياسة دعم المواد بعد مرور أكثر من 5 عقود على إرساء أول مخطط لدعم القدرة الشرائية للمواطنين وتنظيم آليات التزويد، وفق القانون الأساسي للميزانية سنة 1967 المتعلق بتنظيم الصناديق الخاصة للخزينة.
وستتحول تونس منتصف السنة الحالية من مرحلة دعم المواد إلى دعم المداخيل، وفق لما يروج من تصريحات رسمية في إطار سياسة عامة لإصلاح منظومة الدعم، في ظل مخاوف من هزة اجتماعية تزيد في إرهاق التونسيين الذين سيكونون على موعد مع موجة غلاء جديدة تشمل مواد أساسية، ولا سيما الخبز والمعجنات والطاقة.
وتذكر المصادر ان الحكومة ستبدأ في شهر جويلية القادم اعتماد سياسة الدعم النقدي الموجه للأسر بدلا من دعم المواد، مع الإشارة الى تقدم الحكومة في الإعداد اللوجستي لمنظومة الدعم الجديدة في سياق تطبيق سياسة جديدة للدعم ستكون متدرجة وقد يستغرق وضعها أكثر من سنة وذلك لتجنّب صدمة المرور المباشر من مرحلة المواد المدعومة إلى المواد المسوّقة بالسعر الحقيقي ولا سيما منها المواد الأساسية لمعيشة التونسيين.
وخصصت لهذا العام نفقات بـ 3,4 مليارات دينار للدعم، من بينها 2.4 مليار دينار لدعم الغذاء و401 مليون دينار لدعم المحروقات و600 مليون دينار لدعم النقل. وخفضت الحكومة مخصصات الدعم بنحو 300 مليون دينار، مقارنة بما تم إقراره في النسخة الأولى من الميزانية.
ويخشى المهتمون بالشأن الاقتصادي مروراً صادماً إلى مرحلة الأسعار الحقيقية بعد تفكيك منظومة الدعم والانتقال إلى مرحلة التحويل النقدي، مطالبين بمحافظة الدولة على القيام بدورها في الرعاية الاجتماعية للمواطنين.
ووفقا لبيانات رسمية، ينتفع كل تونسي بدعم حكومي بنسبة 38,9 بالمائة عن كل صنف من خبز الباقات حيث يناهز سعر الكلفة 311 مليما توفر منها الحكومة عبر الدعم 121 مليما. كذلك تصل نسبة دعم المعجنات الغذائية إلى 55,9 بالمائة و56,6% بالنسبة للكسكسي و58,6 بالمائة لزيت الطهي.
ويرى العديد من المختصّين في الشأن الاقتصادي ان السلطات المالية ارتكبت عددا من الأخطاء في السنوات العشر الأخيرة في ميدان المالية العمومية، ادّت الى تفاقم الوضع الاجتماعي خصوصا في ظل استفحال وباء كورونا وإحصاء اعداد كبرى من التونسيين يعانون من سوء التغذية وذلك أمام غياب أية إصلاحات هيكلية وأساسية، ومن أهمها مراجعة منظومة الدعم الموجّهة نحو عدد من المواد الاستهلاكية، والتي تلتهم الجزء الأكبر من اعتمادات التنمية والتشغيل.
وفي السياق ذاته، يوضح الخبراء، ان الحديث عن إصلاح منظومة الدعم يتطلب آليات حكومية متطورة، توفق بين الضغط المالي المفروض على ميزانية الدولة، وبين الاحتياجات الفعلية للفئات الاجتماعية الفقيرة سيما أن معظم الدراسات الميدانية التي أجريت في هذا المجال أظهرت أن نحو 80 في المائة من مبالغ الدعم لا تذهب في نهاية المطاف إلى مستحقيها، وهي نسبة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة للغاية.
يذكر أن صندوق النقد الدولي اشترط باستمرار خلال جولات التفاوض مع الحكومة التونسية ضرورة الحد من الاعتمادات المالية الموجهة الى منظومة الدعم، مطالباً بالحد منها وتوجيهها بطريقة مختلفة عما هو معمول به الآن. وكانت وزارة التجارة قد أكدت أن مبلغ الدعم بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية قد تطور من 1.8 مليار دينار إلى 2.4 مليار دينار، في حين يؤكد مختصون في المالية ان ذلك يعود إلى الصعوبات التي تواجه توجيه منظومة الدعم ومراقبة مسالك توزيعها.
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 9 مارس 2021
إرسال تعليق