أجرت صحيفة “القدس العربي” حوارا مع رئيس الحكومة الاسبق والسياسي المنصف المرزوقي تطرق فيه الى القضايا الراهنة، وإلى احتمال عودته للساحة السياسية المحلية في وقت ما، معلقاً تلك العودة على جملة من الشروط كما قال، واصفاً المرحلة التاريخية التي تجتازها الشعوب العربية الآن بمرحلة تصفية الاستبداد، ومشدداً بالخصوص على أهمية معركة سرت، ومعتبراً أن ليبيا باتت الآن الساحة الأساسية للصراع بين الثورة والثورة المضادة.
وأشار بفخر وتفاؤل إلى الحراك الجزائري وإلى ما سمّاه شعب المواطنين الجزائريين، معرباً من جهة أخرى عن ثقته بإمكان التوصل إلى صيغة لحل معضلة الصحراء التي كبلت العلاقات بين المغرب والجزائر، شريطة أن يتم تفعيل الاتحاد المغاربي قبل أن يشدد على أن الثورات العربية ستستمر، وأن المواجهة ستكون كما قال “صادمة وعنيفة وموجعة وضرورية، وستأخذ وقتاً”، على حد تعبيره، قائلاً في هذا الصدد أيضاً: “أنا متشائم ظرفياً ومتفائل مستقبلياً بنجاح تلك الثورات”.
وفيما يأتي نص المقابلة:
بداية، ربما يتساءل كثيرون الآن عن طبيعة المرحلة الحالية في مسيرة الدكتور المرزوقي النضالية والسياسية. فكيف تصفونها أنتم، وهل ترونها مرحلة التقاط أنفاس واستراحة محارب للتهيؤ لاحقاً لخوض غمار معركة أخرى للعودة إلى السلطة بالرغم من إعلانكم اعتزال العمل السياسي المحلي، أم أنها بالنسبة لكم تبقى فقط مرحلة تأمل فكري لمراكمة الأفكار وإنتاج النظريات؟
عد الفشل في انتخابات العام الماضي، أخذت القرار الآتي: هو الانسحاب من الساحة السياسية التونسية، وهذا الانسحاب ليس “تمثيلاً”، بل انسحاب حقيقي، ولكني لا أزال على ذمة البلاد، ولن أعود للحياة السياسية إلا إذا حصل تهديد للدستور أو النظام الديمقراطي، أو الحريات أو استقلال البلاد. فتلك العناصر الأربعة بالنسبة لي هي من المقدسات. وإذا ما تعرضت للتهديد فسأعود بكل قواي للدفاع عما دافعت عنه طوال حياتي. وإذا لم تحتجني البلاد فسأخصص كامل وقتي للعمل الفكري وإنتاج رؤية للمستقبل، لا لتونس، بل للأمة العربية؛ لأني أعتبر أننا اليوم أمام تحديات ومرحلة انتقالية غير مسبوقة، كذلك تاريخ العرب والبشرية كلها تتطلب رؤية فكرية جديدة غير موجودة حالياً. فنحن نعيش على الأيديولوجيات القديمة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبيرالية والإسلام السياسي، وهذه كلها أيديلوجيات ما قبل الطفرة التكنولوجية، ولا بد من تفكير جديد، ولست أنا من سينتج ذلك التفكير، بل أريد أن أجعل الآخرين يفكرون. وبالتالي، فإن سلسلة المقالات التي كتبتها وسميتها المراجعات الموجعة، تندرج ضمن ذلك الإطار.
كيف تنظرون إلى التطورات الميدانية الأخيرة على الساحة الليبية، وهل تعتبرون أن الانخراط المباشر والواضح لقوى إقليمية ودولية في الصراع الليبي الداخلي سيجر الأطراف المتنازعة إلى القبول في النهاية بتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب؟
*الثورة المضادة لم تنتصر
إن الرهان الموجود في ليبيا هو بين الثورة والثورة المضادة. لقد قامت الثورة التي هددت النظام العربي القديم ككل، فقام ذلك النظام بثورة مضادة لها، واستطاع إفشال الثورة في تونس بالانتخابات والمال الفاسد والإعلام الفاسد، وبالحرب في ليبيا وسوريا واليمن، وبالانقلاب في مصر. وأظهر أنه غير مستعد لأي شيء باستثناء إبقاء الشعوب رعايا، وإبقاء نخب فاسدة في الحكم.. هذه هي القضية. وقد خيل إلى منظومة الثورة المضادة أنها انتصرت، وهي في الواقع لم تنتصر، بل سجلت فقط نقاطاً كثيرة. والآن، فإن المعركة على أشدها، وليبيا اليوم ساحة الصراع الأساسية بين الثورة والثورة المضادة. وهذه الثورة المضادة تشعر بأنها إن خسرت في ليبيا فمعناه أن مرحلة الجزر قد بدأت. فالموجة الثورية تكسرت في تونس، فلم تحقق أهدافها كما كانت تريد، وقد حققت الثورة المضادة جزئياً أهدافها بأن تخلصت مني وتخلصت من محمد مرسي بالانقلاب، وأوقفت في بعض البلدان المد الثوري. والآن باتت المعركة مصيرية. وإني أعتقد أن الإمارات، بعد كل الأموال التي صرفتها، لم يعد بمقدورها السماح للثورة المضادة بأن تهزمها، وستنزل بكل ثقلها. ومعركة سرت ستكون حاسمة، وعملية دحر القوات إلى الشرق متواصلة ولن تتوقف. وأنا أنظر إلى الأمور ليس بشكل آني بل على نحو واسع. لقد كانت هناك فترة تاريخية لتصفية العبودية، وبالتالي فإن الجنرالات الأمريكان، مثل لي، وغرانت، وديفيس، كانوا ضد التاريخ، وكان التاريخ قد قرر أن العبودية انتهت، وأن أبراهام لنكون كان عليه أن ينتصر. ونأتي مثلاً للخمسينيات، فهناك الجنرال سالون، والجنرال ديغول، أما الأول فكان يحلم بمواصلة الاستعمار، والثاني فهم أنه انتهى. إذن، كانت هناك فترة تصفية العبودية، وكان للعبودية أن تصفى رغم كل الحروب التي قامت، وكان للاستعمار أن يصفى رغم كل الدماء التي سالت. ونحن الآن في مرحلة تصفية الاستبداد، وهذا الاستبداد سيصفى كما صفيت العبودية والاستعمار؛ لأنهما خارج التاريخ. لذا، فابن زايد وأمثاله يضيعون أوقاتهم، فالأمور محسومة. لقد صدر حكم الإعدام على الاستبداد وانتهى الموضوع. لا يمكن اليوم في هذا العصر أن تتحكم نخبة حقيرة فاسدة في شعب، فلم يعد هذا ممكناً مثلما لم يعد ممكناً في وقت ما التحكم في العبيد. وستكون هناك آلام وأثمان باهضة، لكن المعركة خاسرة بالنسبة لهؤلاء.
إذن، فتقسيم ليبيا بنظرك مستبعد؟
لا، ليس مستبعداً، إنما ظرفي وجزئي، مثلما أن وجود السيسي ظرفي وجزئي، فهو سيختفي بعد خمس أو عشر سنوات، وسيحمله التسونامي هو غيره. نحن الآن في مرحلة تصفية الاستبداد، وكل من يريد أن نعود إلى الاستبداد بأشكاله القديمة على الأقل، وربما تظهر أشكال جديدة أيضاً، نقول له لقد انتهى ذلك. وسيأخد ذلك وقتاً، ولكن المسألة محسومة مسبقاً، وهذا لا يفهمه إلا من ينظرإلى التاريخ. فأغلب الناس ينظرون إلى الأحداث من زاوية صحافية وظرفية فقط، وبالتالي تغيب عنهم الرؤية العامة.
هل تتصور أن الحل في ليبيا لن يكون ممكناً إلا بالاتفاق مع حفتر؟
الخطأ الذي ارتكبناه هنا في تونس هو أننا حاولنا مداهنة التمساح. لا تضع وقتك مع هؤلاء الناس، فالدرس الذي استخلصته أن لا تصالُح مع الثورة المضادة، وكل من يحاول التصالح معها يفشل. والآن مثلاً فإن حركة النهضة التي اتبعت تلك السياسة ستدفع الثمن باهظاً. فأنت أمام أقلية قمعية فاسدة لن تقبل بأي تنازل للشعب، وهذه هي المصيبة. فهي عكس أقليات أخرى ذكية قبلت بتقديم تنازلات في دول أخرى. ولكن ولأنها فاسدة، فليس لها ما تقدم. وبالتالي، فالمعركة مع هذه النخبة الفاسدة ستكون معركة عنيفة، وأنت ترى كيف مددنا لهم أيدينا، وكيف تعاملوا معنا في تونس. ومرة أخرى، أقول المعركة ستكون مكلفة وباهظة لكن محسومة.
هل ترون أن ما سمي بالمبادرة المصرية الأخيرة لحل النزاع في ليبيا كان هدفها إنقاذ حفتر أم خلط الأوراق في المنطقة؟
*فقدان ليبيا يمثل تهديداً للنظام المصري
بالنسبة لي، النظام المصري جزء من منظومة الثورة المضادة، وبالتالي فهو يعرف أن فقدان ليبيا يمثل تهديداً له. وهو يدافع إذن عن نفسه لا عن حفتر. وإذا علمنا أنه يتخبط في أزمة مع إثيوبيا، فالسؤال هو: هل سيحارب تركيا أم إثيوبيا، لأن المخرج الذي أمامه الآن من أزمته الداخلية هو الحرب. لكن مع من؟ وما هي أولوياته؟ فهل سيحارب تركيا أم إثوبيا؟ من الصعب أن يغامر مع تركيا لأنه يعرف قوتها، وربما يشن حرباً على إثيوبيا ليحشد تعاطفاً ودعماً من شعبه.
هل تتوقع حرباً مصرية إثيوبية؟
طبعاً، بالنسبة لي كإنسان يعرف السياسة والتاريخ، أقول: عندما يضيق الخناق على نظام ما داخلياً فالحل هو الحرب. وبالتالي، أستبعد أن يحارب في ليبيا من أجل حفتر، لأنه سيصطدم حينها بتركيا.
كنت من أشد المتحمسين للحراك الجزائري، بل توقعت أن يثمر نتائج أفضل مما أثمرته الثورة التونسية. هل تعتقد الآن أنه ما يزال قادراً على الاستمرار أم وصل إلى منتهاه وبلغ أهدافه؟
بالنسبة لي، يعدّ الحراك من أعظم الأشياء التي وقعت في المنطقة في السنوات الأخيرة. هل سبق ورأيت في تاريخنا شعباً ينزل إلى الشوارع على مدى أسابيع وأشهر بطريقة سلمية وحضارية؟ قارن ذلك بما حدث مثلاً في فرنسا وستعرف من هو الشعب المتحضر. ونظر إلى ما حققه من نتائج، مثل استقالة بوتفليقة، ودرجة النضج والوعي التي ظهرت في المجتمع، وتغير نظرة الطبقة السياسية لهذا الشعب الذي حقق بالنسبة لي معجزة. لقد أنجز تقريباً ثمانين بالمئة من أهدافه. وتغيير المعادلة النفسية في الجزائر أهم شيء؛ فقد فرض الشعب نفسه وحقق كل ما يمكن أن نحلم به. لا شك أن الأمور مستمرة وستستغرق وقتاً. وبالتالي، فأنا من المعجبين بالشعب الجزائري، وأحمد الله على كل ما حققه هذا الحراك.
هل تعتقد أن السلطات الجزائرية قادرة ومستعدة لتلبية كل مطالب الحراك؟
الحراك الجزائري
الجزائريون لديهم خاصية، وهي أنهم لا يريدون لأحد أن يتدخل في شؤونهم الداخلية، ودائماً أقول أهل مكة أدرى بشعابها، ولا أريد أن أتدخل في تفاصيل التفاصيل التي تهمهم. فأنا لا أتدخل في تفاصيل تهم الشأن التونسي، فما بالك بما يهم الشأن الجزائري؟ لكن كل ما هنالك أنني أريد أن أنظر لهذه المسألة من ناحية الرؤية الاستراتيجية والتاريخية، وما أراه هو أن هناك -ولأول مرة- تغيراً جذرياً في علاقة الشعب الجزائري بالدولة، وتلك الدولة نفسها بصدد التغير من الداخل ولو ببطء. نحن في مرحلة سنرى فيها ظهور حلقات جديدة بين الدولة والمجتمع في الاتجاه الإيجابي، ونرى ولادة شعب المواطنين وتطور دولة القانون والمؤسسات شيئاً فشيئاً، ونحن في الاتجاه الصحيح. وبالتالي، فأنا فخور، وعندي أمل كبير بأن كل أمانيّ التي تتلخص في شعب المواطنين ودولة القانون والمؤسسات واتحاد الشعوب المغاربية والشعوب العربية تتحقق منها يومياً ولو جزءاً، وإني سعيد بهذا.
هناك الآن جمود دبلوماسي في الملف الصحراوي، هل تعتقد أنه يخدم مصلحة المغرب ويكرس بشكل فعلي وعلى الأرض رؤيته لحل النزاع؟
إن الخلاف بين المغرب والجزائر حول الصحراء مأساة كلفتها باهضة، وآن الأوان أن يوضع لها حد. وأنت تعرف أن أول شيء فعلته عندما تسلمت الرئاسة هو محاولة إحياء الاتحاد المغاربي، وللتاريخ.. فقد كانت كل الأطراف حينها موافقة عدا النظام الجزائري. وقناعتي هي أنه إن تمسكنا بأنه لا حوار قبل حل مشكلة الصحراء فإننا نحكم على أنفسنا بالجمود إلى يوم القيامة، والمقترح الذي قدمته حينها إلى السلطات الجزائرية والمغربية وحتى الليبية، هو هل الممكن أن نحكي في مواضيع أخرى غير موضوع الصحراء في الوقت الحاضر؟ يعني، نتحدث مثلاً عن الحريات الخمس (التنقل، والعمل، والإقامة، والتملك، والمشاركة في الانتخابات البلدية لمواطني الدول المغاربية داخل الإقليم المغاربي)، وهذا سيخلق ديناميكية جديدة بين الشعوب، وفي إطار تلك الديناميكية ربما سنجد حلاً للمشكلة الصحراوية ضمن اتحاد مغاربي يحفظ استقلال الدول والحدود، وربما ينمي الحكم المحلي. للأسف، فكل الأطراف وافقت حينها عدا الطرف الجزائري، الذي أعلن رفضه للمقترح. لكن المنطقة الآن كلها مهددة بكثير من الأخطار، فالثورة المضادة دخلت عقر دارنا، والمفروض أن ليبيا هي جزء من دارنا، والمفروض أن تكون الجيوش المغاربية موجودة هناك لتحمي الثورة الليبية، وأن لا نقبل اعتداء دويلة مكلفة بمهمة من طرف قوى دولية علينا. لقد آن الأوان أن تأخد الشعوب على عاتقها قضية الاتحاد المغاربي.
*مشكلة الصحراء
هل تتصور أن هناك أفقاً لحل مشكلة الصحراء؟
الأفق الحقيقي في إطار الاتحاد المغاربي، والحل يجب أن يكون داخل ذلك الاتحاد. لذا، يجب على الشعوب أن تمسك بزمام الموقف. أقترح أن تقدم في البرلمانات الخمسة، وفي وقت واحد، مبادرات تشريعية تتضمن فكرة الحريات الخمس. ولا بد من أن تتم العملية بتنسيق بين البرلمانات المغاربية أو تكون هناك حملة للشباب للتوجه مثلاً إلى الحدود، ولا بد من أن يلتقي المثقفون والنخب والأطباء والمحامون والصحافيون المغاربيون، ولا بد أن يكون هناك يوماً للاتحاد المغاربي، مثلاً يوم إمضاء اتفاقية مراكش يقع إحياؤه سنوياً، ولا بد أن يطلب من الزعماء المغاربيين الالتقاء لإعادة طرح الموضوع؛ لأن الوضع إذا استمر على حاله فلا الجزائريون ولا المغاربة ولا التونسيون سيكون لهم مستقبل، فالعالم كله يتحد إلا نحن. انظر الفرق بين إفريقيا والنظام الرسمي العربي، لقد دهشت حين اطلعت على الاتحاد الإفريقي، وفي كل أجزاء القارة تقريباً هناك اتحادات إقليمية، والاستثناء الوحيد هو الشمال الإفريقي، وهذا عار، وهو نتيجة خيارات سياسية خاطئة، ورفض تقديم تنازلات متبادلة، والضحية هي دائماً الشعوب.
هل تعتقد أن الشعوب المغاربية ما زالت تفكر فعلاً في الاتحاد المغاربي؟
لنعد إلى القضايا الاستراتيجية. إلى أين يمضي مسار التاريخ.. إنه يسير في اتجاهين يبدوان متناقضين؛ الاتجاه الأول هو تكوين أكبر تجمعات بشرية ممكنة؛ فالأوربيون يتحدون، والأفارقة يتحدون، وأمريكا اللاتينية تتحد. أما فضاءات دولنا التي أخذناها من الاستعمار فضيقة ولا تستطيع أن تنافس اقتصادياً. هل يمكن أن تصنع اقتصاداً بعشرة ملايين تونسي؟ لا بد على الأقل من سوق بخمسمئة مليون نسمة. فليس لديك اليوم إمكانية لثورة اقتصادية وتكنولوجية إلا داخل فضاءات كبرى. ثم تأتي وتقول لي إن العرب لا يحتاجون إلى اتحاد. إن الشعوب العربية هي ضحية نخب فاسدة صنعت دولاً تعتبرها مزارع لا تريد فتحها، لأنها تريد أن تستمر في حكمها، والشعوب موجودة داخل تلك الحدود وكأنها داخل سجون. والمؤسف أن العرب لا يتجهون نحوالوحدة، بل يسيرون على العكس نحو التقسيم، وهذا كله ناتج عن غياب الرؤية. وما يبقى بالنسبة لشخص مثلي ومثلك هو تذكير الناس بالبديهيات، فلم يعد ممكناً لهذه الدول المصطنعة أن تستمر، والحل هو اتحاد الشعوب العربية الحرة.
*الثورات مستمرة
ما الطريقة المثلى التي تراها للتصدي للثورات المضادة؟
الناس ينسون أن هذه الثورات قامت لأسباب موضوعية، وليس لأن المرزوقي تحدث في التلفزيون وقال اخرجوا إلى الشوارع. فهل لو أنني ظهرت في تلفزيون دولة اسكندينافية، وقلت: أيتها الشعوب الاسكندينافية، قومي على حكوماتك… هل تتصور أن يسمعني الناس هناك؟
ثار الناس لضرورة كانت هناك، وستتواصل الثورات لعدم وجود خيار آخر هناك، والمشكلة هو أن الثورات المضادة لا تملك لا ثقافة ولا إرثاً تاريخياً، ولا تملك إلا المصالح، والخطر الأكبر هو مصالحها مع الخارج. وأتوقع أن المعركة ستكون صعبة، لكننا الآن أمام انهيار تام لمنظومة دامت خمسين أو ستين عاماً، والمرحلة ستكون موجعة ومكلفة، لكن سيعاد بناء منظومة جديدة. الثورة تمت وستتم، والمواجهة ستكون صادمة وعنيفة، وفي الوقت نفسه ضرورية. وبالتالي، أنا متشائم ظرفياً ومتفائل مستقبلياً بنجاح الثورات، ويجب على الأجيال القادمة أن تكون لها رؤية واضحة لما يجب بناؤه حتى لا تعيد تكرار الأخطاء. إننا في الطريق إلى بناء نظام عربي جديد للدولة والمجتمع. وهذا سيأخد وقتاً، لكن “إن بعد العسر يسراً”، وبعد الخراب بناء، والأمر طبيعي، فنحن الآن نمر بأزمة إعادة تشكل للفضاء والنفسية والدولة ذاتها (القدس العربي )